ـــقـــد كــان فـي قــصــصــهــم عــبـــــرة
الثبات . . حتى الممات
كانت أم عمار..سمية بنت خياط..كانت أمة مملوكة عند أبي جهل.. فلما جاء الله
بالإسلام..أسلمت هي وزوجها وولدها..فجعل أبو جهل يفتنهم..ويعذبهم..ويربطهم
في الشمس حتى يشرفوا على الهلاك حراً وعطشا،فكان صلى الله عليه وسلم يمر
بهم وهم يعذبون،وهم يمتحنون،وهم يقاسون أنواعاً عظيمة من التنكيل،دماؤهم على
أجسادهم تسيل،وقد تشققت من العطش شفاههم،وتقرحت من السياط جلودهم،وحر
الشمس يصهرهم فيقول لهم عليه الصلاة والسلام معزياً ومصبراً ومبشراً
(صبراً آل ياسر،فإن موعدكم الجنة).. يا لها من بشارات عظيمة،وكلمات
جليلة....
وفجأة إذا بفرعون الأمة أبي جهل يأتيهم،فيزداد غيظه عليهم،فيسومهم
عذابا،ولسان الحال منهم يقول:
إن كان سركمُ ما قال حاسدنا ** فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ
أتاهم فقال:سبوا محمداً أو ربه.. نعوذ بالله مما قال..فلا يزدادون إلا ثباتاً وصبرا..
عندها اندفع الخبيث إلى سمية..ثم استل حربته فطعنها بها،مزق أشلاءها،أسال
دماءها،انقض على جسدها الطاهر يمزقه تمزيقا،وزوجها وولدها بجانبها
مربوطان،وأبو جهل يسب ويكفر،وهي تحتضر وتكبر،ثم ماتت،
نعم ماتت رحمها الله ورضي عنها،نعم ماتت وقد أطاعت ربها،
وأخزت عدوها ماتت وهي ثابتة على الدين في أشد بلاء،
وأعظم ابتلاء،فأين من تضيع دينها بشهوة عابرة،بنوم عن صلاة،
أو بتبرج وسفور،أو اختلاط وفجور،أو تعلق محرم،
وحب في غير الله ومأثم،نظر للحرام،سماع للحرام،
وقوع في الحرام،تأخير للتوبة،تسويف بالعودة،تباطؤ
في الإنابة والله المستعان.. لا..سمية غير ذلك،صبرت قليلاً،
ونالت كثيرا،تعبت يسيراً،وارتاحت طويلاً،أولئك أقوام رجالاً ونساء،
جعلوا همهم الله والدار الآخرة،جعلوا الهموم هماً واحدا
عرفوا من أين يزداح الشقاء ** فـأزاحـوه وعـاشـوا سـعدا
إنـهـم الأولـيـاء،الأتـقـــيـــاء،ثـبـات حـتى الـمـمـات،ســبـــاق لإرضـاء
رب الأرض والـســمــوات
إن لله عـبــادا فــطــنـــــا ** طـلـقـوا الدنيـا وخافوا الفتنا
نـظـروا فـيهـا فلما علموا ** أنـهـا لــيـســت لـحـي سكنا
جـعــلـوهـا لجـة واتخذوا ** صالح الأعـمـال فـيهـا سفنا